طفل جديد..حياة جديدة.. عائلة سعيدة ..هؤلاء الثلاث كلمات ما هم إلا انعكاس لما يأتي في ذهنك بمجرد سماع خبر حمل إحداهن، فالطفل دائمًا ما يرتبط بالتغيير الإيجابي أو الإضافة السعيدة لأي أسرة وبداية جديدة في مرحلة حياتهم ولا أحد أبدًا يتوقع أو يضع في مخيلته أن ذلك الأمل الجديد الذي خرج من رحم الأم قد يكون له توابع تؤلمها، تجعلها تشعر بمشاعر سلبية بالإضافة لشعورها بالذنب بسبب حزنها أو شعورها بالاكتئاب بالرغم من وجود طفل حديث الولادة بحاجة لحبها واهتمامها البالغ وهي لا تستطيع أن تعتني به شكل كبير، تلك الفجوة بين الشعور بحب غامر و الشعور برغبة في الهروب والخوف والخذي وصراعات عدم تحمل مسئولية ذلك الفرد الصغير الجديد.
بين ليلة وضحاها وجدت السيدة نفسها وسط الأمل والألم وهي في وسطهم لا تعلم ماهية الخلاص وما الطريق وإلى أين المطاف… تلك القضية هي واحدة من أكبر وأشهر القضايا التي تواجه السيدات، ولكل من يهتم بصحة المرأة فإن تلك المشاعر هي ما تسمى باكتئاب ما بعد الولادة. ولأننا نهتم أيضًا بصحة المرأة وكل ما يخصها، قررنا أن نسترسل أكثر فيما يخص اكتئاب ما بعد الولادة، أسبابه وكيفية تجنبه أو تخطيه.
ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟
اكتئاب ما بعد الولادة هو شعور المرأة أو الأم الجديدة بحزن شديد واضطرابات نفسية متعددة تؤثر على صحة المرأة في خلال الفترة التي بعد الولادة، هذا الشعور قد يلازمها لأسابيع، شهور أو سنوات في بعض الأحوال. وهنا يجب التفرقة بين الكآبة النفاسية أو الاكتئاب ما بعد الولادة.
الكآبة النفاسية:
بعد الولادة تمر الأم بفترة من اضطراب المشاعر تستمر لأيام وتسمى بالكآبة النفاسية، أعراضها:
– شعور الأم بالحزن المستمر أبرز أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
– القلق
– عدم القدرة على التركيز
– التقلبات المزاجية
– صعوبة في النوم
– فقدان الشهية من أشهر أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
– الشعور بالإرهاق
– الغضب وارتفاع ضغط الدم
ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟
تستمر تلك المرحلة من أيام لأسبوع أو أسبوعين بالأكثر، أما اكتئاب ما بعد الولادة قد تختلط أعراضه في البداية وبعد ذلك يصبح أكثر وضوحًا بسبب شدتها واستمراريتها لمدة أطول، لأن هذا النوع من الاكتئاب قد تصل مدته إلى سنة وله أعراض أشد وأوضح من الكآبة النفاسية، فمثلاً:
– نوبات غضب متكررة وسريعة
– القلق الدائم
– الشعور بالخوف المستمر يؤرق صحة المرأة النفسية
– التخوف من عدم إمكانية خوض تجربة الأمومة بشكل جيد
– انعدام الطاقة
– الشعور بالذنب بشكل متكرر
– نوبات هلع تؤثر بشكل مباشر على صحة المرأة أو الأم هو من أهم المؤشرات اكتئاب ما بعد الولادة
– انعدام الرغبة في الأكل أو على النقيض الأكل بشكل شره وكبير
– قلة النوم أو النوم لفترات طويلة يجعل صحة المرأة العقلية، النفسية والجسدية في حالة إرهاق وتعب مبالغ فيه
– الأرق
– أفكار انتحارية قد تكون من أخطر ما يهدد صحة المرأة أثناء اكتئاب ما بعد الولادة
– الرغبة في إيذاء نفسها أو إيذاء الطفل
– اكتئاب شديد يضع صحة المرأة النفسية في خطر
– البكاء المفاجئ
– الرغبة في الابتعاد عن المجتمع والأهل والأصدقاء
– قد تشعر الأم أيضًا أثناء إلقاء النظر على الطفل ببعض الخوف والغضب تجاهه وبالرغبة في الابتعاد عنه وعدم التعامل معه
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟
وبالرغم من فكرة بدء حياة جديدة إلا أن اكتئاب ما بعد الولادة يدق الباب ولا يعير انتباهًا لمثل تلك الأفكار، ولكن بالرغم من شعور الأمومة الذي يلازم المرأة منذ الصغر ورغبتها في غمر الحب والحنان الدائم على أحد، لماذا قد تشعر باكتئاب بعد ذلك وما هي أسباب تقلباتها المزاجية وتأثيرها على صحة المرأة!
اكتئاب ما بعد الولادة ليس له سبب واضح على مرئى العين ولكن يمكننا ذكر بعض الأشياء التي وردت في بعض الأبحاث التي تتحدث ، وهو من أهم المؤثرات على صحة المرأة أو الأم الحديثة وأهم أسبابها:
– التغير الهرموني: أغلب الدراسات التي تهتم بصحة المرأة الحامل أو حديثة الولادة ذكرت أن عملية الحمل والولادة يليها بعض التغييرات الهرمونية مثل هرمون الأستروجين و البروجسترون اللذان يرتفعان بشكل كبير وقت الحمل ثم تبدأ بالانخفاض بعد أول 24 ساعة من الولادة، وهذا التغيير المفاجئ والشديد في مستويات الهرمونات دورًا في وجود وتطور اكتئاب ما بعد الولادة الذي له علاقة وثيقة بصحة المرأة بشكل عام.
– القلق: أهم ما يؤرق صحة المرأة التي وضعت مولودها حديثًا هو القلق على طريقة تربيته، كيف سيكبر، وعن كيفية حدوث الأمومة المثالية وكل تلك الأفكار يترتب عليها حدوث اكتئاب ما بعد الولادة.
– انخفاض مستوى هرمون الغدة الدرقية: تشارك في العديد من الوظائف العضوية في الجسم وعند انخفاضها بعد الولادة يؤثر بشكل أساسي على صحة المرأة متسببًا في فقدان الطاقة والتعب والشعور بأعراض اكتئاب.
– قلة النوم والشعور بالإرهاق: الفترة الأولى بعد الإنجاب تؤثر على صحة المرأة الجسدية والنفسية مما يتسبب لها في الإرهاق والتعب والسهر
اكتئاب ما بعد الولادة لا يرتبط بسن أو نوع جنين أو حتى مستوى اجتماعي أو تعليمي ولكن هو حالة مرضية قد تصيب أي أم جديدة، فهي قضية لها علاقة بصحة المرأة دون الدخول في أي تفاصيل أخرى.
ماذا عن مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة؟
وهنا يأتي السؤال، هل يمكن أن يكون هناك مضاعفات لاكتئاب ما بعد الولادة؟ هل ذلك له جوانب أخرى على صحة المرأة؟ الإجابة نعم. اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن يؤثر على صحة المرأة بشكل كبير ويمكن مضاعفتها وتأثيره على صحة المرأة حديثة الولادة، يمكننا تلخيص أعراضه في:
– الذهان: وهو أمر يبدأ منذ أول أيام الولادة وقد يمتد لأسابيع، يمكن أن تختلف مع النساء من تطور لآخر ولكنها تظل في النهاية من مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة أحد أبرز الأشياء التي تؤثر على صحة المرأة على مر العصور.
وهناك أنواع من الذهان أكثر شيوعًا بين النساء اللاتي وضعن مولودهن حديثًا:
– هلاوس سمعية: مثل سماع أصوات غير حقيقية تحفزها لإيذاء نفسها أو إيذاء الطفل
– هلاوس بصرية: مثل الشعور بأشياء غير موجودة
– الأوهام
– الانفصال عن الواقع
– تقلب الحالة المزاجية
– الانفصام العقلي
– الهوس الاكتئابي
– التصرف بشكل مختلف عن الطباع الخاصة بشخصية الأم
هل بعد كل تلك الأعراض يمكننا الجزم بأن من تتعرض لها حتمًا يصيبها اكتئاب ما بعد الولادة والحمل أم أن هناك طريقة أفضل للتشخيص؟
ماهي نتيجة اختبار وجود الاكتئاب؟
ليس هناك طريقة لتحديد أو اختبار لتحديد وجود اكتئاب من عدمه ولكن بعد التأكد من وجود الاكتئاب يمكن الكشف عن درجته عن طريق مقياس استبيان أدنبرة لاكتئاب ما بعد الولادة.
ولكن يمكن تحديد صفات اكتئاب ما بعد الولادة عن طريق بعض الأسئلة وجمع المعلومات التي يمكن توجيهها للأم الجديدة مثل:
– هل تشعر بالرغبة في إيذاء نفسها؟
– هل تشعر فجأة في الرغبة بالبكاء غير المبرر وعلى فترات قريبة
– تاريخ المريضة مع الاكتئاب وكيف أثر على صحة المرأة
– هل تشعر ببعض الأعراض التي سبق ذكرها مثل التقلبات المزاجية والقلق وكثرة التفكير
– الخوف من الطفل
– الشعور بأنها لا تستحق لقب أو دور الأمومة من أبرز ما يؤثر على صحة المرأة النفسية
اكتئاب ما بعد الولادة خطر على صحة السيدات النفسية والعقلية، لذلك يجب على الرجل أو الزوج أن يكون لديه دور في حياة زوجته ليساعدها تتخطى تلك الأزمة مثل تقديم الدعم النفسي لها ومساعدتها، مثلاً:
– دعمها يوميًا والتأكد من صحتها النفسية
– طمأنتها أن الوضع الحالي يحتاجهم الاتنين سويًا
– مشاركتها في الاعتناء بالطفل
– لا تلوم عليها فيما يخص شكلها أو وزنها واعتنائها بنفسها
– ساعدها في الأعمال المنزلية
– اجعلها تشعر بفرحة وجود الطفل فمثلاً تحدث معها عن سعادتك بكونك أب
– ساعدها في الاعتناء بالطفل
– لا تتركها تذهب لطبيب الأطفال أو النساء لوحدها، الدعم النفسي ليس مجرد بضع الكلمات يقولها الشخص
كيف تتغلبي على الاكتئاب بعد الولادة؟
صحة المرأة التي وضعت مولودها حديثًا والتي يأتي اكتئاب ما بعد الولادة ليزيد وضعها سوءً يجب أن يكون هناك حد لهذا، وهنا ننصحك ببعض الأمور للتخلص من اكتئاب ما بعد الولادة واستعادة صحة المرأة التي وضعت مولودها حديثًا، لذلك لدينا بعض النصائح للتغلب على اكتئاب ما بعد الولادة، فمثلًا:
– محاولة التفكير بشكل مختلف منذ بداية الحمل
– التفكير بأن الطفل لم يأتي ليسرق حياتك بل سيصبح جزء منها
– مشاركة تفاصيل جديدة مع طفلك مثل التحدث معه أثناء الحمل والنزول لشراء ملابسه وتغيير بعض تفاصيل المنزل لاستقباله
– أخذ قسط من الراحة وتنظيم مواعيد النوم يساعدها على الاسترخاء
– صحة المرأة النفسية مهمة جدًا، فيجب على المحيطين بالأم أو بالسيدة الحامل أن يساعدوها أو يدعموها في فترة الحمل وبعد الوضع لتخطي اكتئاب ما بعد الولادة
– لتجنب أي أضرار نفسية تؤثر على صحة المرأة الحامل، يمكن أن تستعين برياضة مثل المشي أو اليوجا للتخلص من الطاقة السلبية
– اتباع نظام غذائي صحي يساعدها في الحفاظ على وزنها، فالسمنة أثناء الحمل تؤثر أحيانًا في صحة المرأة النفسية بالإضافة للمجهود الجسدي
– من أجل تخطي اكتئاب ما بعد الولادة وتحسين صحة المرأة النفسية، حاولي الجلوس مع سيدات كانت لهن تجربة مؤلمة في الولادة، أو كنّ يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة لتتحدثي معه عما بداخلك، فشعورهن سيكون واحداً ومماثلاً لما تشعرين، ومشاركة تجاربهم معك سيكون له رجع صدى إيجابي لأنك ستشاهدين وتعايشين أشخاصًا مروا بنفس الظروف وتغلبوا عليها ليعطيك بصيصًا من الأمل في مثل هذه الأوقات الصعبة.
– بعد كل تلك المحاولات إذا لم تكن كفاية للأم الجديدة حتى تستطيع تخطي اكتئاب ما بعد الولادة وبدء صفحة جديدة مع المولود فيجب أن تذهب لطبيب نفسي لتتلقى دعم أو مساعدة متخصص
ولكن هل اكتئاب ما بعد الولادة خطر يهدد فقط صحة المرأة؟
في الأغلب هو يهدد صحة المرأة بشكل أكبر أو بصورة أوسع ولكن هناك بعض الآباء يصيبهم هذا الداء أيضًا نتيجة الشعور بالمسئولية والحياة الجديدة المقبلة عليهم، فعلى الرغم من شيوع الحديث عن اكتئاب الولادة عند النساء، وما يمرون به من تغيرات هرمونية ومشقة في الحمل والولادة وتأثير هذه العوامل على الحالة النفسية والذهنية، فإن هناك نسبة كبيرة أيضًا من الرجال يعانون من القلق والاكتئاب بعد ولادة الطفل. ففي دراسة سويدية شملت 447 من الآباء السويديين المتطوعين وجدت الدراسة أن 28% منهم لديهم أعراض مستويات اكتئاب أعلى من المتوسط، و4% لديهم اكتئاب معتدل. وأن 1 من كل 5 آباء ممن يعانون من الاكتئاب طلبوا المساعدة على الرغم من أن ثلثهم انتابتها أفكار تتعلق بإيذاء الذات.(1) يعاني ما يقرب من 1 من كل 20 رجلا من الاكتئاب أثناء حمل الزوجة، ونحو 1 من كل 10 رجال من الاكتئاب بعد الولادة.
في النهاية نتمني لكل الأمهات صحة جيدة وأطفال سالمين، إذا احتاجت الأم الجديدة بعض المحاليل أو الحقن بعد الرجوع للمنزل يمكنك الاعتماد على خدمات حكيمة للتمريض المنزلي.
Reference:
https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/9312-postpartum-depression
